بَعد كلّ ما سَبَق ، وبَعد أن نَدرس، لاحقًا، كلمات د ستور الإيمان النيقاوي - القسطنطيني(6) وعباراته، ستتوضَّح للمُطَّلِع إنْ كانت هناك فائدة أم لا، مِن اقتراح نصٍّ يحافِظ ، ضمن المعايير التي وَصَفْتُها، على التعليمَ الإيمانيّ الذي ا ستلمناه .لكنّنا نَضَعُ النصّ المقترَح، في هذا الموضِع من الدرا سة ، تهيئةً للنتائج التي سنصل إليها والتي ا ستحسَـنّا أن نَضَع القارئ في جَوّها منذ المبتدأ.
نشير إلى أنّ النصّ المقترَح يكتفي بإظهار الحقائق الإيمانية ويتجنَّب العبارات العقائدية التِقَنيّة، التي يمْكن أن تجد لها مكانًا في الدرا سة التفصيليّة.مثلاً: نتكلّم، في الد ستور، على الإله الواحد الثالوث، ونترك شرح مفهوم الثالوث لسياق نصّ الدرا سة. وهكذا دوالَـيك. أمّا لماذا تمَّ اختيار عبارةٍ ما، دون عبارةٍ أخرى وَرَدَ ت في الد ستور النيقاوي- القسطنطيني، فهذا أمرٌ تتولاّه الدرا سة.
النصّ، الذي نعرضه في ما يلي، مُوزَّع على خمسة مفاصل: الإيمان بالله ، تجسُّد ابن الله ، الكنيسة الرسوليّة، المعموديّة الواحدة والحياة الجديدة، القيامة وحياة الدهر العتيد .قُلْنا " مفاصل"، لأنّها، كمفاصل الجسم البشريّ، تَجمع ما هو متنوِّع، لتُكَوِّن إيمانًا واحدًا .
1.2.3- النصّ المُقتَرَح :
1- أومن بإلهٍ واحدٍ خالقٍ ومُبدِعٍ(1) كلَّ ما يُرى وما لا يُرى ، آبٍ وابنٍ وروحٍ قُدْسٍ، ثالوثٍ قُدّوسٍ بجوهرٍ واحدٍ ، راعٍ وضابطٍ كلَّ الخليقة.
(5)- أهورامزدا Ahura Mazda = Spenta Manhyu = الروح المقدَّس .هو إله الآريين، وبمثابة الله عندنا.هو موجود كاملٌ تام، ألوهتُه مِن ذاته، مكتفيةٌ بذاتها..ال "إميشاسبينتا" تعني " الخالدون المقدَّ سون".أهورامزدا أوجدَ هذه الكائنات النورانية من روحه.أ سماؤها (الكمال، الخلود،الإخلاص...) تدلّ على أنها صفات الله المجسَّـدة. المزدكية ديانة تقول بثنائيةٍ فيها صراعٌ بين الخير والشر( الروح الشرّير= Angra Manhyu . هو توأم أهورامَزدا وغريمه).لكنّ الخير سيَغلِب في النهاية.عرفَ اليهودُ المزدكيةَ في بابل، عندما هُجِّـروا إليها.هناك احتكّوا بالمزدكيّين الذين قَدِموا إلى بلاد الكلدان وإلى سورية. (6)- الترجمات العربيّة لهذا الد ستور تحتوي بعض الفروقات عن بعضها وعن الأصل ، تبعًا للكنائس التي اعتمدتها ( الروم الأرثوذكس ، الأقباط الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس، الكنيسة المارونية، الكنائس الانجيلية). ونجد في كتَـيِّب مجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي أشرنا إليه سابقًا، بعض نصوصٍ عربيّة قديمة وحديثة مرتبطة بهذا الد ستور وهي: نصّ لعلي بن ربّان الطبري (حوالى سنة 860)، وآخر للأسقف ساويرس بن المقفّع (حوالى سنة 950) وآخر لإيليا النصّيبي (975-1046)، وآخر للأب الدكتور ميشال نجم ( عميد سابق لمعهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في دير البلمند) بالاشتراك مع الكاهن ميشال سابا ، ليماسول (سنة 1987). قوانينُ الإيمانِ هذه ، في مُـقارَبتها الموضوعَ، تشترك كلّها بالنهج عينه، وهو النَهج الذي تحاول درا ستُـنا أن تُبَيِّن ما هو التدقيقَ الذي نتمنّى إدخاله فيه.
2- وأومن أنّ الابنَ، المولودَ من الآب قَبْل الدهور، قد تأنّـس(2) مِن أجل خلاصنا نحن البشر،
مولودًا مِن العـذراءَ البتولِ(3) مريمَ ، إلهًا حقيقيًّا وإنسانًا حقيقيًّا ، هو الرب يسوع المسيح،
الذي تَردّدَ بين الناس، وصُلِب على عهد بيلاطس بونطيوس، ومات(4) وقُـبِـر وقام في اليوم الثالث وأظهَرَ نفسَه حيًّا لكثيرين(5)، فتَحقَّق ما جاء عنه في الأسفار المقدَّسة، ثمّ رُفِعَ واحتَجبَ عن الأ نظار (6).
3- وأومن بالكنيسة الرسولية كنيسةً مقدَّ سَةً واحدةً وجامعة .
4- وأومن بمعـموديّة واحدة مَدخَلاً إلى حياةٍ جديدةٍ بموهبة الروح القد س (7)، الناطقِ بالأنبياء
ويُنبوعِ كلِّ قداسةٍ وكلِّ حِكمةٍ(8).
5- وأترجّى قيامةً للموتى وحياةَ الدهر العـتيد (9). آمــيــن
5./ 6./ 2002 - 12/08/2004 - 2./ 10/2006 - 08/05/2007- 3./10/2008 - 10/04/2009
2.2.3- توضيحاتٌ وآياتٌ ثَـبْـتٌ تتعلّق بالنصّ المُقترَح:
1- أبدَعَ الشيءَ = أنّ هذا الشيء لم يكن له أيُّ وجود فأوجَـد ه خالـقًا إ يّاه ، وصَنَعَه لا على مِثال( من لسان العرب). وتأكيد خَلْقِ " كلّ ما يُرى وما لا يُرى" يوضح أنّ لا مادّةَ أولى تمّ الخَلقُ منها.
اخترنا ، منذ البداءة، أن نؤكِّد بوضوحٍ على وحدانيّة الله الثالوث.هذا النهج موجود منذ القديم وفي عَددٍ كبيرٍ من الإعلانات الإيمانيّة الأكثر حداثةً والتي نجدها في مجموعة Denzinger ( لا مجال لذِكر هذه الإعلانات التي يُمكن الاطّلاع عليها بسهولة)، وكذلك في تفـسير الكنيسة الغربية لد ستور الإيمان Credo .
نقرأ ، مثلاً، في الد ستور المسمّى Clémens Trinitas (=الثالوث الرحيم)، الذي عُرِف في جنوب فرنسة ثمّ في أ سبانية، ( وهو يعود إلى القرن 5 أو 6) ، ما يلي:« الثالوث الرحيم هو ألوهة واحدة. لذا فإنّ الآب والابن والروح القدس هم نَبعٌ واحدٌ، طبيعةٌ واحدة، قوّةٌ واحدة، قدرةٌ واحدة...». (Denzinger ، فقرة رقم 73).
ونقرأ في الد ستور المسمّى Quicumque ، الذي عُرِف في الجنوب الفرنسيّ ما بين سنوات 430-500، والذي نُسِب إلى القدّ يس أثناسيوس الكبير، ما يلي : «...الإيمان الكاثوليكيّ هو التالي : إنّنا نَعبُد إلهًا واحدًا في ثالوث وثالوثًا في وَحدة، دون أن نَخلط الأشخاص أو نُقـسِّم الطبيعة...».(Denzinger ، فقرة رقم 75).
ود ستور الإيمان الصادر عن مجمع طُليطِلة Tolède الأوّل (أيلول سنة400)، المسمّى Symbolum Toletanum، يُـستَهَلُّ ب : « نؤمن بالإله الواحد الآب والابن والروح القدس، خالقِ الأشياء المنظورة وغير المنظورة، الذي صَنَع كلَّ ما في السماء وما على الأرض ... » (Denzinger= DS188 ، فقرة رقم 188) .
ونقرأ في تفـسير الكنيسة الغربية لد ستور الإيمان Credo البند 1 الفقرة 1/ 202: «نؤمن بثباتٍ ونعترف ببساطةٍ بإلهٍ حقيقيّ أحدٍ واحدٍ Seul et Unique، خالدٍ وعظيمٍ ، كاملِ القدرة، غيرِ متَحوِّل، لا يُدرَك ولا يوصَف، آبٍ وابنٍ وروحٍ قُدْسٍ : ثلاثةُ أ شخاصٍ ، لكنّ الجوهرessence واحد ، كُنْهٌ substance أي طبيعةٌ nature واحدة بسيطةٌ تمامًا». Cc. LatranIV:DS800 ) = مجمع اللاتران الرابع ، النصّ من Denzinger الفقرة 800).
2 - التأ نّس والإيناس هو خلاف الإيحاش . أ مّا الإنْـس والأنَـَس والإنسان فمن الإيناس أي الإبصار. يُـقال آنسته أي أبصرته. أمّا الجِنّ فهم لا يؤنَـسون أي لا يُـبصَرون. والإنس هم البشر. لم نَجِد ، في لسان العرب ، تأ نّس بمعنى صار إنسا نًا.وهذا أمرٌ طبيعيّ لأنّ التجسّد هو من العقائد المسيحية .نفهم العبارةَ« تأ نّسَ مولودًا» بمعنى « ظَهَر، أبصرناه مولودًا» .من الواضح أنّ الأمر واقعٌ وليس مَحْضَ خيالٍ كما تدّعي بعضُ الشيَع.
- شدّدنا هنا على تجسُّد "الابن"، وترَكْنا الكلام على "الربّ يسوع المسيح" إلى ما بَعد . هذا يفعله أيضًا د ستور الإيمان الصادر عن مجمع طُليطِلة Tolède الأوّل:« بالتالي، ابن الله ، الله المولود من الآب قَبْل كلّ ابتداء، حَلَّ في مستودع المغَـبَّطة العذراءِ مريم، ومنها، مولودًا دون زَرْعٍ بشريّ ، اتَّخَذ ناسوتًاhumanité حقيقيًّا ( أي أنّ طبيعتين، هما طبيعتا الألوهة واللَحْمchair ، اتّحدتا تمامًا في شخصٍ واحدٍ) هو الربّ يسوع المسيح...» . (Denzinger= DS189 ، فقرة رقم 189).
3- في لفظ البتول معنيان ( وهما مقصودا ن، لأنّهما حَصَلا): أحدهما من التبتُّـل أي الانقطاع عن الدنيا إلى الله تعالى ، والآخر من التبتُّـل أي ترك ا لنكاح والزهد فيه والانقطاع عنه.(من لسان العرب) .
4- « سلّمتُ إ ليكم قبل كلّ شيء ما تسلّمته أنا أيضًا وهو أ نّ ا لمسيح مات مِن أجل خطايانا كما ورَدَ في الكتب،وأ نّه تراءى لِصخر فالإثني عشر ثمّ تراءى لأكثر من خمسمائة أخ معًا لا يزا ل معظمهم حيّـًا...»
(1كور 15: 3-6) .
5- « رُفِعَ بمَرأى منهم ثمّ حجبه غمام عن أ بصارهم » (أع 1 : 9) .
6- « وأظهـرَ لهم نفسه حيًّا بعد آلامه ، بكثير مِن الأدِ لَّـة » ( أع 1: 3)
7- « ...أ وَ تَجهلون أننا وقد اعتمدنا جميعًا في يسوع المسيح إنّما اعتمدنا في موته فدُ فِـنّا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن أيضًا حياةً جديدة كما أُ قيمَ المسيحُ من بين الأموات بمجد الآب؟ فإذا اتّحدنا به فصِـرنا على مِثاله في الموت فـسنكون على مثاله في القيامة أيضًا» (رو 6: 3-5).« فإذا كانت هذه الخصال فيكم (الخصال مذ كورة في الآيات السابقة- أ0خ0) ...لا تدَعُكم بغير ثمر ...ومَن نـَقـصته هذه الخصال... نسيَ أنه طُهِّـر مِن خطاياه السالفة ( بالمـعـمودية- أ0خ0) فضاعِفوا جهدَ كم... وبذلك يُـفـسَح لكم في مجال الدخول إلى ا لملكوت الأبدي... » (2 بط 1: 8-11).
-« وفيه أ نتم أيضًا سمعتم كلمة الحقّ أي بشارةَ خلاصكم وفيه آمنتم فخُـتمتم بالروح الموعود، الروح القدس، وهو عربون ميراثنا إلى أن يتمّ فداءُ خاصّته للتسبيح بمجده ».(أف 1: 13- 14 ).
8- «فالمواهب الروحيّة على أنواعٍ، ولكنّ الروح الذي يَمنَحُها واحد....وهذا كلّه يعمله الروح الواحد نفسُه موَزِّعًا مواهبه على كلّ واحدٍ كما يشاء».( 1 كو12: 4- 11)
9- أَعتَدَ الشيءَ فالشيءُ عَـتيد = أَعـَدَّ الشيءَ، هـيَّـأَه، فهو مُعَـدٌّ ، مُهَـيَّـأ .
- ا ستعمَلنا تعبير " قيامةً للموتى " بدَل تعبير" قيامةَ الموتى " ، لأنّ التعبير الأخير يشير إلى قيامةٍ محدَّدةٍ،
معرفتُها مكتمِلة، والواقع أنّ هذا غيرُ حاصِلٍ.